الأردن- إحباط مخطط إرهابي.. عودة إلى أيلول الأسود؟

المؤلف: محمد الساعد09.22.2025
الأردن- إحباط مخطط إرهابي.. عودة إلى أيلول الأسود؟

في عام 1970، شهد الأردن مواجهات دامية بين فصائل فلسطينية ذات توجه علماني والقوات المسلحة الأردنية، بالإضافة إلى شرائح من المجتمع الأردني. كان السبب الرئيسي وراء هذا الصراع هو انتقال تلك التنظيمات إلى الأردن واستخدامه كقاعدة خلفية لتنفيذ عمليات عسكرية دون مراعاة المصالح الوطنية الأردنية العليا.

يكمن جوهر المشكلة في الصراع الأزلي بين التنظيمات والدول ذات السيادة، حول من يمتلك الحق في اتخاذ قرارات الحرب والسلم المصيرية. هل يجب على الدول أن تضع مستقبل شعوبها في أيدي جماعات متطرفة ومتحمسة تفتقر إلى فهم عميق لتبعات الحروب وخيمة آثارها؟ لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط أمثلة عديدة لحروب نشأت نتيجة لقرارات متهورة اتخذتها شخصيات أو تنظيمات متسرعة وغير واقعية.

لم يكن إعلان السلطات الأردنية عن اكتشاف خلية إرهابية، خلال شهر أبريل الحالي، تعمل في الخفاء منذ خمس سنوات (2021) مجرد خبر عابر. بل كان بمثابة إشارة تحذيرية، توحي بأن هناك من يسعى لإعادة سيناريو أيلول الأسود، ولكن هذه المرة بغطاء إسلامي متطرف بدلاً من واجهة علمانية.

هذا المخطط الإجرامي ليس الأول من نوعه الذي تعلن الأردن عن اكتشافه أو إحباطه لعمليات إرهابية مدمرة، إلا أنه يعيد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة من الماضي، وتحديداً أحداث "أيلول الأسود" التي اندلعت بين 16 و27 سبتمبر 1970، واستمرت تداعياتها حتى 17 يوليو 1971، مخلفة جراحاً عميقة في الذاكرة الوطنية.

الخلية الإرهابية التي تم الكشف عنها، والتي تبين انتماؤها للتيار الإسلامي المتشدد، لم تظهر فجأة في الأردن، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الإسلامي الموجود في البلاد. أغلب المقبوض عليهم هم كوادر وعناصر فاعلة في تنظيمات متعددة، وناشطون بارزون شاركوا في المظاهرات والاحتجاجات التي عمت الأردن تحت ستار الدفاع عن قرار 7 أكتوبر.

لقد اختارت هذه المجموعة أن تسلك طريق الإرهاب والعنف بدلاً من العمل المدني السلمي، واستخدمت الأنشطة السلمية كستار وغطاء لأهدافها الخبيثة، كما أثبتت التحقيقات الأمنية. لقد عملت على تهيئة بيئة معادية للدولة الأردنية، واستغلت أحداث السابع من أكتوبر لتأجيج نار الفتنة، واتهام السلطات بالتقصير، وبث الكراهية ضد الدولة ورموزها الوطنية.

مما لا شك فيه أن هذا التنظيم كان يعمل وفق نظام عنقودي دقيق، ويحظى بدعم وتمويل سخي من جهات خارجية، كما يتضح من بيانات التأييد التي صدرت عن التنظيم الأم، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي الذي قدمته التنظيمات الحاضنة له في الداخل. إن أسلوب عمل هذا التنظيم يذكرنا بالتنظيمات التكفيرية المتطرفة التي ظهرت في مصر في منتصف السبعينيات، والتي تبنت نهجاً تكفيرياً متشدداً ضد محيطها الاجتماعي، وسعت لاستبداله بمجتمع خاص بها يعتمد على ما يسمى "الهجرة إلى داخل التنظيم".

المجموعة الإرهابية، كما ورد في البيان الأمني الأردني، بدأت نشاطها في عام 2021، أي قبل أحداث السابع من أكتوبر بثلاث سنوات كاملة. وهذا يؤكد أنها لم تكن مجرد ردة فعل عفوية كما يحاول البعض تصويرها، بل كانت فعلاً منظماً ومدروساً بعناية، وكأن هناك تنسيقاً مسبقاً بين منفذي هجوم 7 أكتوبر وبين هذه الخلية الإرهابية.

كان الهدف الأساسي من هذه العملية هو إشعال نار الفتنة الداخلية، وتنفيذ عمليات إجرامية بشعة تدفع بالبلاد والعباد إلى مستنقع حرب أهلية مدمرة، وتحويل الأردن إلى دولة فاشلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أما عن دوافع السعي إلى تصنيع دولة فاشلة، فهي تمكين التنظيمات الإرهابية من العمل بحرية فوق الأرض دون وجود سلطة مركزية قادرة على حماية مصالح الشعب الأردني، أو على الأقل وجود دولة ضعيفة وهشة تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية وتوجهها كيفما تشاء.

لقد شكلت هذه الخلية الإرهابية تنظيماً إجرامياً متكاملاً، وطورت بنية عسكرية متطورة، وقامت بتصنيع الأسلحة والمتفجرات، وتهريب طائرات "درونز" لاستخدامها في عمليات الاغتيال. لقد كان عملاً متطوراً يهدف إلى إشعال فتيل صراع طويل الأمد، وتقويض استقرار الأردن.

ليس من المستغرب هذا التحول في الأدوار بين اليساريين المتطرفين والإسلاميين المتطرفين، فكلاهما يخدم الآخر ويتبادل معه الأدوار والمصالح، بهدف إخضاع الدول وفرض أجنداتهم الخاصة عليها، أو فرض الوصاية عليها بالقوة. ولو افترضنا أن الإرهابي الذي ألقي القبض عليه قبل أيام كان موجوداً في عام 1970، خلال أحداث أيلول الأسود، لكان عنصراً علمانياً متطرفاً يصرخ في المظاهرات باسم نايف حواتمة وجورج حبش، ويخبئ الأسلحة والمتفجرات لتنفيذ عمليات إرهابية باسمهما. أما اليوم، فهو يصرخ باسم سيد قطب وينفذ تعاليمه، نعم، اختلفت المرجعيات والأيديولوجيات، لكن الأسلوب والأهداف لا تزال كما هي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة